فصل: قال الجصاص:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الجصاص:

وقَوْله تَعَالَى: {وَأَنْزَلَ الَّذينَ ظَاهَرُوهُمْ منْ أَهْل الْكتَاب منْ صَيَاصيهمْ}.
قيلَ في الصَّيَاصي: إنَّهَا الْحُصُونُ الَّتي كَانُوا يَمْتَنعُونَ بهَا.
وَأَصْلُ الصّيصَة قَرْنُ الْبَقَرَة وَبهَا تَمْتَنعُ، وَتُسَمَّى بهَا شَوْكَةُ الدّيك؛ لأَنَّهُ بهَا يَمْتَنعُ؛ فَسُمّيَتْ الْحُصُونُ صَيَاصيَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى.
وَرُويَ أَنَّ الْمُرَادَ بهَا بَنُو قُرَيْظَةَ، كَانُوا نَقَضُوا الْعَهْدَ وَعَاوَنُوا الْأَحْزَابَ؛ وَقَالَ الْحَسَنُ: هُمْ بَنُو النَّضير.
وَسَائرُ الرُّوَاة عَلَى أَنَّهُمْ بَنُو قُرَيْظَةَ، وَظَاهرُ الْآيَة يَدُلُّ عَلَيْه؛ لأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى: {فَريقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسرُونَ فَريقًا} وَلَمْ يَقْتُلْ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ بَني النَّضير وَلَا أَسَرَهُمْ وَإنَّمَا أَجَلَاهُمْ عَنْ بلَادهمْ.
وقَوْله تَعَالَى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَديَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا} يَعْني به أَرْضَ بَني قُرَيْظَةَ.
وَعَلَى تَأْويل مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى بَني النَّضير فَالْمُرَادُ أَرْضُ بَني النَّضير.
وقَوْله تَعَالَى: {وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا} قَالَ الْحَسَنُ: أَرْضُ فَارسٍ وَالرُّوم.
وَقَالَ قَتَادَةُ: مَكَّةُ.
وَقَالَ يَزيدُ بْنُ رُومَانٍ: خَيْبَرُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: منْ النَّاس مَنْ يَحْتَجُّ به في أَنَّ الْأَرَضينَ العنوية الَّتي يَظْهَرُ عَلَيْهَا الْإمَامُ يَمْلكُهَا الْغَانمُونَ وَلَا يَجُوزُ للْإمَام أَنْ يُقرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا عَلَى أَنَّهَا ملْكٌ لَهُمْ، لقَوْله: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَديَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا} وَظَاهرُهُ يَقْتَضي إيجَابَ الْملْك لَهُمْ.
وَلَا دَلَالَةَ فيه عَلَى مَا ذَكَرُوا؛ لأَنَّ ظَاهرَ قَوْله: {وَأَوْرَثَكُمْ} لَا يَخْتَصُّ بإيجَاب الْملْك دُونَ الظُّهُور وَالْغَلَبَة وَثُبُوت الْيَد وَمَتَى وَجَدَ أَحَدٌ هَذه الْأَشْيَاءَ فَقَدْ صَحَّ مَعْنَى اللَّفْظ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكتَابَ الَّذينَ اصْطَفَيْنَا منْ عبَادنَا} وَلَمْ يُردْ بذَلكَ الْمُلْكَ.
وَأَيْضًا فَلَوْ صَحَّ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُلْكُ كَانَ ذَلكَ في أَرْض بَني قُرَيْظَةَ في قَوْله: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ} وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا} فَإنَّهُ يَقْتَضي أَرْضًا وَاحدَةً لَا جَميعَ الْأَرْضينَ؛ فَإنْ كَانَ الْمُرَادُ خَيْبَرَ فَقَدْ مَلَكَهَا الْمُسْلمُونَ، وَإنْ كَانَ الْمُرَادُ أَرْضَ فَارسٍ وَالرُّوم لَقَدْ مَلَكَ الْمُسْلمُونَ بَعْضَ أَرْض فَارسٍ وَالرُّوم فَقَدْ وُجدَ مُقْتَضَى الْآيَة وَلَا دَلَالَةَ فيه عَلَى أَنَّ سَبيلَهُمْ أَنْ يَمْلكُوا جَميعَهَا؛ إذْ كَانَ قَوْلُهُ: {وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا} لَمْ يَتَنَاوَلْ إلَّا أَرْضًا وَاحدَةً، فَلَا دَلَالَةَ فيه عَلَى قَوْل الْمُخَالف. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذينَ كَفَرُوا بَغَيظهمْ} يعني أبا سفيان وجموعه من الأحزاب.
{بغَيظهمْ} فيه وجهان:
أحدهما: بحقدهم.
الثاني: بغمّهم.
{لَمْ يَنَالُوا خَيرًا} قال السدي لم يصيبوا من محمد وأصحابه ظفرًا ولا مغنمًا.
{وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمنينَ الْقتَالَ} فيه وجهان:
أحدهما: بعلي بن ابي طالب كرم الله وجهه. حكى سفيان الثوري عن زيد عن مرة قال أقرأنا ابن مسعود هذا الحرف: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمنينَ الْقتَالَ} بعلي بن أبي طالب.
الثاني: بالريح والملائكة، قاله قتادة والسدي.
{وََكَانَ اللَّهُ قَويًا} في سلطانه. {عَزيزًا} في انتقامه.
قوله تعالى: {وَأَنْزَلَ الَّذينَ ظَاهَرُوهُم مّنْ أَهْل الْكتَاب}.
هم بنو قريظة من اليهود ظاهروا أبا سفيان ومجموعة من الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أي عاونوه والمظاهرة هي المعاونة. وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فنقضوه فغزاهم بعد ستة عشر يومًا من الخندق قال قتادة نزل عليه جبريل وهو عند زينب بنت جحش يغسل رأسه فقال عفا الله عنك ما وضعت الملائكة سلاحها منذ أربعين ليلة فانهد إلى بني قريظة فإني قد قلعت أوتادهم وفتحت أبوابهم وتركتهم في زلزال وبلبال فسار إليهم فحاصرهم إحدى وعشرين ليلة حتى نزلوا على التحكيم في أنفسهم.
وفيمن نزلوا على حكمه قولان:
أحدهما: أنهم نزلوا على حكم سعد بن معاذ فحكم فيهم أن يقتل مقاتلوهم ويسبى ذراريهم وأن عقارهم للمهاجرين دون الأنصار فقال قومه: آثرت المهاجرين بالعقار علينا، فقال: إنكم ذوو عقار وليس للمهاجرين فكبّر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «قُضيَ فيهم بحُكْم اللَّه» قاله قتادة.
الثاني: أنهم نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يحكموا سعدًا لكن أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد فقال: «أَشر عَلَيَّ فيهم» فقال: لو وليتني أمرهم لقتلت مقاتليهم ولسبيت ذراريهم ولقسمت أموالهم فقال: «وَالَّذي نَفْس بيَده لََقَدْ أَشَرتَ عَلَيَّ فيهم بالَّذي أَمَرَني اللَّهُ به» وروي ذلك عن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ عن أبيه.
{من صَيَاصيهمْ} من حصونهم قال الشاعر:
فأصبحت النسوان عقرى وأصبحت ** نساء تميم يبتدرْن الصياصيا

وسميت بذلك لامتناعهم بها، ومنه سميت قرون البقر صياصي لامتناعها بها، وسميت شوكة الديك التي في ساقه صيصية.
{وَقَذَفَ في قُُلُوبهمُ الرُّعْبَ} قال قتادة بصنيع جبريل بهم.
{فَريقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسرُونَ فَريقًا} حكى عطية القرظي أنهم عُرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم يوم بني قريظة فمن كان احتلم أو نبتت عانته قتل، فنظروا إليّ فلم تكن نبتت عانتي فتركت فقيل إنه قتل منهم أربعمائة وخمسين رجلًا وهم الذين عناهم الله بقوله: {فَريقًا تقتلون} وسبي سبعمائة وخمسين رجلًا وهم الذين عناهم الله تعالى بقوله: {وتأسرون فريقًا} وقال قتادة: قتل أربعمائة وسبى سبعمائة.
{وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَديَارَهُم وَأَمْوَالَهُم} يريد بالأرض النخل والمزارع، وبالدبار المنازل وبالأموال المنقولة.
{وَأَرْضًا لَمْ تَطَؤُوهَا} فيها أربعة أقاويل:
أحدها: أنها مكة، قاله قتادة.
الثاني: خيبر، قاله السدي وابن زيد.
الثالث: فارس والروم، قاله الحسن.
الرابع: ما ظهر عليه المسلمون إلى يوم القيامة، قاله عكرمة.
{وَكَانَ اللَّهُ علََى كُلّ شَيءٍ قَديرًا} فيه وجهان:
أحدهما: على ما أراد بعباده من نقمة أو عفو قديرٌ، قاله ابن اسحاق.
الثاني: على ما أراد أن يفتحه من الحصون والقرى، قدير، قاله النقاش. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَرَدَّ اللَّهُ الَّذينَ كَفَرُوا بغَيْظهمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا}.
عدد الله تعالى في هذه الآية نعمه على المؤمنين في هزم الأحزاب وأن الله تعالى ردهم {بغيظهم} لم يشفوا منه شيئًا ولا نالوا مرادًا، {وكفى} كل من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقاتل الأحزاب، وروي أن المراد ب {المؤمنين} هنا علي بن أبي طالب وقوم معه عنوا للقتال وبرزوا ودعوا إليه وقتل علي رجلًا من المشركين اسمه عمرو بن عبد ود، فكفاهم الله تعالى مداومة ذلك وعودته بأن هزم الأحزاب بالريح والملائكة وصنع ذلك بقوته وعزته.
قال أبو سعيد الخدري: حبسنا يوم الخندق فلم نصل الظهر ولا العصر ولا المغرب ولا العشاء حتى كان بعد هوى من الليل كفينا وأنزل الله تعالى، {وكفى الله المؤمنين القتال} وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالًا فأقام وصلى الظهر فأحسنها ثم كذلك حتى صلى كل صلاة بإقامة. وقوله تعالى: {وأنزل الذين ظاهروهم} يريد بني قريظة بإجماع من المفسرين، قال الرماني وقال الحسن الذين أنزلوا {من صياصيهم} بنو النضير، وقال الناس: هم بنو قريظة، وذلك أنهم لما غدروا برسول الله صلى الله عليه وسلم وظاهروا الأحزاب عليه أراد الله تعالى النقمة منهم، فلما ذهب الأحزاب جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقت الظهر فقال: يا محمد إن الله تعالى يأمرك بالخروج إلى بني قريظة، فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس وقال لهم: «لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة» فخرج الناس إليها ووصلها قوم من الصحابة بعد العشاء وهم لم يصلوا العصر وقوفًا مع لفظ النبي صلى الله عليه وسلم فلم يخطئهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، وصلى قوم في الطريق ورأوا أن قول النبي صلى الله عليه وسلم إنما خرج مخرج التأكيد فلم يخطئهم أيضًا، وحاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قريظة خمسًا وعشرين ليلة، ثم نزلوا على حكم سعد بن معاذ الأوسي، وكان بينهم وبين الأوس حلف فرجوا حنوه عليهم، فحكم فيهم سعد بأن تقتل المقاتلة، وتسبى الذرية والعيال والأموال، وأن تكون الأرض والثمار للمهاجرين دون الأنصار، فقالت له الأنصار، فقالت له الأنصار في ذلك، فقال: أردت أن تكون لهم أموال، كما لكم أموال فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد حكمت فيهم بحكم الملك من فوق سبعة أرقعة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجالهم فأخرجوا أرسالًا وضرب أعناقهم وهم من الثمانمائة إلى التسعمائة، وسيق فيهم حيي بن أخطب النضري وهو الذي كان أدخلهم في الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما ذهب الأحزاب دخل عندهم وفاء لهم، فأخذه الحصر حتى نزل فيمن نزل على حكم سعد، فلما نزل وعليه حلتان فقاحيتان، ويداه مجموعة إلى عنقه أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: والله يا محمد أما والله ما لمت نفسي في عداوتك، ولقد اجتهدت، ولكن من يخذل الله يخذل، ثم قال: أيها الناس إنه لا بأس بأمر الله وقدره ملحمة كتبت على بني إسرائيل ثم تقدم فضربت عنقه، وفيه يقول جبل بن حوال الثعلبي: الطويل:
لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه ** ولكنه من يخذل الله يخذل

لأجهد حتى أبلغ النفس عذرها ** وقلقل يبغي العز كل مقلقل

و{ظاهروهم} معناه عاونوهم، وقرأ عبد الله بن مسعود {آزروهم} وهي بمعنى {ظاهروهم} والصياصي: الحصون، واحدها صيصة وهي كل ما يمتنع به، ومنه يقال لقرون البقر الصياصي، والصياصي أيضًا: شوك الحاكة، وتتخذ من حديد، ومنه قول دريد بن الصمة: الطويل:
كوقع الصاصي في النسيخ الممدّد

والفريق المقتول: الرجال المقاتلة، والفريق المأسور: العيال والذرية، وقرأ الجمهور {وتأسرون} بكسر السين، وقرأ أبو حيوة {تأسُرون} بضم السين، وقوله: {وأورثكم} استعارة من حيث حصل ذلك لهم بعد موت الآخرين من قبلهم، وقوله: {وأرضًا لم تطؤوها} يريد بها البلاد التي فتحت على المسلمين بعد كالعراق والشام ومكة فوعد الله تعالى بها عند فتح حصون بني قريظة وأخبر أنه قد قضى بذلك قاله عكرمة، وذكر الطبري عن فرق أنهم خصصوا ذلك، فقال الحسن بن أبي الحسن: أراد الروم وفارس، وقال قتادة: كنا نتحدث أنها مكة، وقال يزيد بن رومان ومقاتل وابن زيد: هي خيبر، وقالت فرقة اليمن.
قال الفقيه الإمام القاضي: ولا وجه لتخصيص شيء من ذلك دون شيء. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

{وردَّ اللّهُ الذين كفروا} يعني الأحزاب، صدَّهم ومنعهم عن الظَّفَر بالمسلمين {بغَيْظهم} أي: لم يَشْف صدورهم بنَيْل ما أرادوا {لم ينالوا خيرًا}.
أي: لم يظفروا بالمسلمين، وكان ذلك عندهم خيرًا، فخوطبوا على استعمالهم {وكفى اللّهُ المؤمنين القتال} بالريح والملائكة، {وأَنزل الذين ظاهروهم} أي: عاونوا الأحزاب، وهم بنو قريظة، وذلك أنهم نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد، وصاروا مع المشركين يدًا واحدة.
وهذه الإشارة إلى قصتهم.
ذكر أهل العلْم بالسّيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمَّا انصرف من الخندق وضع عنه اللأْمة واغتسل، فتبدَّى له جبريل، فقال: ألا أراك وضعت اللأْمة، وما وضعت الملائكة سلاحها منذ أربعين ليلة؟! إن الله يأمرك أن تسير إلى بني قريظة فانّي عامد إليهم فمزلزل بهم حصونهم؛ فدعا عليًّا فدفع لواءه إليه، وبعث بلالًا فنادى في الناس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن لا تصلُّوا العصر إلا ببني قريظة، ثم سار إليهم فحاصرهم خمسة عشر يومًا أشدَّ الحصار، وقيل: عشرين ليلة، فأَرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَرْسل إلينا أبا لُبَابة بن عبد المنذر، فأرسله إليهم، فشاوروه في أمرهم، فأشار إليهم بيده: إنه الذَّبْح، ثُمَّ ندم فقال: خنتُ اللّهَ ورسولَه، فانصرف، فارتبط في المسجد حتى أنزل الله توبته، ثم نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمَّر بهم رسول الله محمدَ ابن مَسْلمة، وكُتّفوا، ونُحُّوا ناحيةً، وجُعل النساء والذُّرّية ناحيةً.
وكلَّمت الأوسُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أن يَهَبَهم لهم، وكانوا حلفاءهم، فجعل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الحُكْمَ فيهم إلى سعد بن معاذ؛ هكذا ذكر محمد بن سعد.
وحكى غيره: أنهم نزلوا أوَّلًا على حكم سعد بن معاذ، وكان بينهم وبين قومه حلف، فَرَجَوا أن تأخذه فيهم هوادة، فحكم فيهم أن يُقتل كلُّ مَنْ جَرَت عليه المَوَاسي، وتُسبى النساء والذراري، وتُقسم الأموال.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد حكمتَ بحُكم الله من فوق سبعة أرقعة»؛ وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بهم فأُدخلوا المدينة، وحُفر لهم أُخدود في السوق، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه، وأُخرجوا إليه فضُربت أعناقهم، وكانوا ما بين الستمائة إلى السبعمائة.
قوله تعالى: {منْ صياصيهم} قال ابن عباس وقتادة: من حصونهم؛ قال ابن قتيبة: وأصل الصيَّاصي: قرون البقر، لأنها تمتنع بها وتدفع عن أنفسها؛ فقيل: للحصون: الصياصي، لأنها تَمنع، وقال الزجاج: كل قرن صيصية، وصيصية الديك: شوكة يتحصن بها.
قوله تعالى: {وقَذَفَ في قلوبهم الرُّعب} أي: ألقى فيها الخوف {فريقًا تقتُلون} وهم المُقاتلة {وتأسرون} وقرأ ابن يعمر، وابن أبي عبلة: {وتأسُرون} برفع السين {فريقًا} وهم النساء والذَّراري، {وأَورَثكم أرضَهم وديارهم} يعني عَقارهم ونخيلهم ومنازلهم {وأموالَهم} من الذهب والفضة والحُليّ والعبيد والإماء {وأرضًا لم تطؤوها} أي: لم تطؤوها بأقدامكم بَعْدُ، وهي مما سنفتحها عليكم؛ وفيها أربعة أقوال:
أحدها: أنها فارس والروم، قاله الحسن.
والثاني: ما ظهر عليه المسلمون إلى يوم القيامة، قاله عكرمة.
والثالث: مكة، قاله قتادة.
والرابع: خيبر، قاله ابن زيد، وابن السائب، وابن إسحاق، ومقاتل. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَرَدَّ الله الذين كَفَرُوا بغَيْظهمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا}.
قال محمد بن عمرو يرفعه إلى عائشة: قالت: {الَّذينَ كَفَرُوا} هاهنا أبو سفيان وعُيينة بن بدر، رجع أبو سفيان إلى تهامة، ورجع عُيينة إلى نجد.